المؤلفات

سلاســــــــــــل الذهـــــــــــــب

سلاســــــــــــل الذهـــــــــــــب

المؤلف: الشيخ العلامة محمد بن شامس بن خنجر البطاشي رحمه الله

تاريخ النشر: أغسطس 16, 2013

الناشر: مكتبة الشيخ محمد بن شامس البطاشي

الشيخ محمد بن شامس البطاشي
أحد أعلام عمان المعاصرين الشيخ العلامة محمد بن شامس بن خنجر البطاشي
ونسب بني بطاش يتصل بغسان القبيلة الأزدية خلافا للمشهور أنهم من طي وغسان من القبائل التي نزحت من اليمن بعد حادثة سيل العرم ونزلوا الشام واستوطنوا فيها دمشق وكانوا بها ملوكا إلى ظهور الإسلام ، وجبلة بن الأيهم هو آخر ملوكهم ، وبطاش هو لقب لأحد ملوكهم .
ولاته ونشأته
ولد القاضي ببلدة مسفاة بني بطاش بولاية قريات في الثاني عشر من صفر سنة 1330هـ توفي والده وهو رضيع ابن أربعة أشهر فكفله عمه المهنا بن خنجر وأخوه الأكبر عدي ابن شامس وهو رابع أخوته وأصغرهم سنا ولما بلغ من العمر سبع سنين قرأ القرآن الكريم على أخيه أحمد بن شامس ولم تمضي له أشهر حتى أتمه حفظا ثم أخذ في كتابة الخط وقراءة الكتب والشعر فحفظ من ذلك شيئا كثيرا معتمدا على ذاكرة قوية، مكنته من حفظ مائتي بيت من الشعر في اليوم الواحد، حتى انه حفظ ألفية الامام نور الدين السالمي في الأصول في خمسة أيام، كما كان يحفظ الجزء الواحد من القرآن في اليوم.
وكان أخوه أحمد بن شامس في صباه ذا فهم ثاقب وذكاء حاد ثم كان علامة نحريرا لا يشق له غبار في علم الآلة والعربية بل إنه كان منقطع النضير في زمانه وفي سنة 1343هـ سافر القاضي إلى نزوى بيضة الإسلام ومدينة العلم وعاصمة الإمامة وكان قد سبقه إليها أخوه أحمد وهناك نزل بساحة الإمام محمد بن عبدا لله الخليلي (رحمه الله) حيث أولاه عنايته ورعايته وقد أحس منه الإمام ذكاءا وقَّادا فقربه وأدناه وخصه من بين تلاميذه.
شيوخه
أخذ القاضي العلم عن كبار علماء عمان آنذاك وكانت نزوى جامعة العلوم في البلد ومقصد طلاب العلم يأتون إليها من أرجاء الوطن الكبير حيث يجدون بغيتهم فينهلون من علم تلك البحور وعلى رأس هؤلاء الأقطاب الإمام محمد بن عبد الله الخليلي رحمه الله وهو وإن لم يكن متفرغا للتدريس بحكم مسؤولياته تجاه الرعية إلا أن في ملازمته فائدة عظيمة فرجل كالإمام الخليلي لا يقضي وقته إلا في كل مفيد فقد كان متصديا للفتوى والاجتهاد ويهتم بشؤون العلماء وتلاميذهم ويسأل عن أحوالهم وإذا أحس من أحدهم فطنة وبديهة قرّبه وأدناه فكان القاضي (رحمه الله) ممن نال شرف هذا القرب من الإمام وكان الإمام يستعين بالقاضي في معرفة أنساب العرب وقد أطلق عليه الإمام لقب "نسابة عمان" وممن أخذ القاضي عنهم العلم الشيخ العالم حامد بن ناصر النزوي الملقب بسيبويه عصره فعنه أخذ علم النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض والأدب عامة .
وأخذ عن الشيخ العلامة عبد الله بن عامر العزري الفقه وأصوله وأصول الدين والتفسير والحديث وعلم الكلام .
ومن شيوخه أيضا الذين أخذ عنهم العلامة الكبير أبو مالك عامر بن خميس المالكي والشيخ العلامة سعيد بن ناصر الكندي وغيرهم من العلماء المعاصرين.
وكان طول إقامته في نزوى لطلب العلم يروض نفسه على المكارم والأخلاق الحسنة فكان خير مؤدب لنفسه وخير معلم.
طرق أبواب العلم جميعها فدرس الفقه والأصول والحديث والتفسير وبرز فيها وقرأ النحو والأدب والشعر وله في النظم باع شاسع وإطلاع واسع أما علم الأنساب فقد أخذ منه بحظ وافر وله دراية كبيرة بقبائل عمان وبطونها ولا تسأله عن القبيلة إلا ويأتيك بنبئها.
ظل على كرسي القضاء في الفترة مابين 1356هـ إلى 1416هـ أي 60 سنة تخللتها فترات انقطاع بسبب استعفاء القاضي لأنه يرى القضاء وظيفة لا كالوظائف وإن من يتقلّد أمره فهو على خطر شديد إلا أن أطول الفترات المتصلة هي الفترة بين سنة 1390هـ إلى سنة1416هـ فعندما تولى جلالة السلطان قابوس بن سعيد الحكم طلب القاضي للقضاء وعيّن قاضيا للاستئناف في ديوان عام وزارة العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية،ورغم محاولات القاضي العديدة الاستعفاء بعد ذلك إلا أنه بقي في منصبه حتى عام 1416هـ .
وأول ولاية تقلّد قضائها ولاية قريات سنة 1356هـ ، ثم ولاه الإمام الخليلي قضاء حمراء العبريين ، وفي سنة 1361هـ تولى الإمام ولاية بدبد ووادي سمائل وكان قاضيا وواليا .
وتقضّى في وقت لاحق على ولاية جعلان ، كما تكرر تقلده قضاء ولاية قريات لمرات عديدة .
ومن خلال هذه الرحلة الطويلة في القضاء أصبح القاضي المرجع في شؤون القضاء وأحكامه لا تستعصي المسألة على أحد القضاة إلا ويجد لها الحل عند القاضي محمد بن شامس البطاشي .
وظل على هذا الحال حتى بعد التقاعد فكان القضاة يستفتونه ويشاورونه ويأتون إليه بالقضايا والأحكام فيبدي لهم رأيه فيها .
ولم يكن عمل القاضي مقصورا على القضاء فحسب بل تجاوزه إلى العمل المهني ، فكان مزارعا وفلاحا من الطراز الأول وقد أشتغل بالزراعة عمرا طويلا وغرس كثيرا من النخل والشجر وأصلح الفلج والسواقي وكان له اعتناء واسع بكل ما له تعلّق بالزراعة حتى بعد أن بلغ منه الشيب مبلغه كان يرتاح إلى ظل الشجر ويطيب له المقيل بين جنبات المزارع .
وما أبلغ ذلك المشهد عندما يأوي إلى الراحة من جهد العمل فيضع أداة العمل ويمسك بالقلم يسطّر به عبق العلم وشذا المعرفة .
أعماله الخيرية
بني القاضي عدة مساجد تقربا لله تعالى آخرها مسجد الحيطان ومن شديد حرصه رحمه الله على تنزيه المسجد عن اللغو وعن كلام الناس ،فقد ألصق بالمسجد بناءا آخر وجعله مجلسا خاصا بالمصلين وكان إذا صلى بالناس نقلهم من المسجد إلى المجلس ولا يسمح لهم بالجلوس في المسجد إلا للعبادة ،وكان يقول سنة استنها عمر بن الخطاب فنحن نقتدي به وننزه مسجدنا عن قيل وقال .
مؤلفاته
ترك القاضي للمكتبة الإسلامية ذخيرة وافية من الكتب الشرعية واللغوية وترك شعرا كثيرا ومن مؤلفاته:
1. سلاسل الذهب في الأصول والفروع والأدب:
{ موسوعة إسلامية من عشرة مجلدات في مائة ألف بيت وأربعة وعشرين ألف بيت من بحر الرجز وهو بذلك أكبر وأضخم ديوان شعر في تاريخ النظم الإسلامي ، وقد فرغ من تلك الموسوعة في 3 سنوات، كان خلالها لا ينقطع عن مهام عمله، فإذا مر الشهران دون نظم بيت واحد، عوضه بنظم ألف بيت في يوم واحد }.
2. غاية المأمول في الفروع والأصول:
كتاب قيم في الفقه وأصوله وأصول الدين يقع في تسعة أجزاء ذكر فيه أبواب العبادات والمعاملات بشيء من التفصيل وهو من أنفع كتب الفقه وأجودها
3. إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر:
جمع هذا الكتاب مسائل الحج والعمرة والأحكام المتعلقة بهما وكل ما يحتاج إليه حاج بيت الله الحرام وقاصد زيارة قبر نبيه صلى الله عليه وسلم.
4. كشف الإصابة في اختلاف الصحابة:
يبحث في اختلاف الصحابة أثر مقتل عثمان بن عفان ومبايعة علي بن أبي طالب وما صاحب ذلك من حروب وفتن ويبحث في قضية التحكيم وأهل النهروان ويقارن سيرة بني أمية والعباس بسيرة أئمة الإباضية في عمان والمغرب.
5. تحفة الأصحاب على ملحة الإعراب:
منظومة في النحو والصرف اختصر فيها ملحة الإعراب للحريري في نظم سهل سلس.
6. نبذة عامة عن ولاية قريات .
تكلم فيها عن ولاية قريات وعن أهم قراها وبلدانها وذكر العلماء الذين تخرجوا منها وقادتها ورجالها والأبراج والقلاع والحصون الموجودة فيها وتكلم عن الأفلاج والحيوان والأشجار والأودية والجبال وغير ذلك.
7. رسالة في صلاة الجمعة :
تطرق في هذه الرسالة إلى بعض مسائل الخلاف في صلاة الجمعة من نحو موضع إقامتها وشروط وجوبها.
8. مجموعة جوابات:
جوابات لمن يرد عليه من سؤالات من العامة والخاصة وكثير من هذه الجوابات شعر ولم يقدّر لها أن تجمع في كتاب واحد .
9. ديوان شعر:
يتألف من مجموعة قصائد من أغراض الشعر العديدة
10.سيرة ذاتية:
كتبها عن نفسه وحياته وعرف بنفسه فيها وذكر مراحل تعليمه وشيوخه والأعمال التي تقلدها والصعاب التي واجهها وتكلم عن الفترة التي أعقبت موت الإمام الخليلي وموقفه منها.
11. كتاب في أنساب أهل عمان ألفه بالاشتراك مع بعض أشياخ العلم.
شعره
قال القاضي الشعر وهو في سن الصبا ويمتاز شعره بالسلاسة والعذوبة وبالجزالة والرصانة لم يترك بابا من أبواب الشعر إلا وطرقه حاشا باب الغزل والمجون.
ومن أوليات شعره هذه القصيدة التي قالها مخاطبا قومه حال توجهه لطلب العلم بنزوى ومقامه في كنف الإمام الخليلي رحمه الله وسنه يومئذ أربع عشرة سنة.

وفاته:
ان من عادة القاضي رحمه الله أنه لا ينام إلا على طهارة فإذا صلى النوافل والوتر جلس ماشاء الله له في مطالعة كتب الأثر أو في الاستغفار والتسبيح ثم ينام على وضوئه السابق فلما كان قبل وفاته بحوالي الشهرين جعل يتوضأ وضوءا آخر قبيل النوم مباشرة وكان يقول أنوي به الطهارة للموت وقد بدت عليه علامات الإحساس بدنو الأجل فأوصى بالواجد والمندوب وكأنه مودع الدنيا من الغد ولم يفته أن يوصي حتى باللباس الذي عليه فأوصى بالعمامة ألا ترمى ولا تمزق ولا تهان ولكن إن ضاق بكم الفضاء فادفنوها فإنها شعار أهل العلم وتاج العلماء وكان قد أتخذ دفترا لوصاياه وللذي له وللذي عليه فلما كان في أيامه الأخيرة صار الدفتر قريبا من منامه ويسجل في ما يستجد ساعة بساعة وإن كان حقيرا في نظر الناس كالريال والريالين وصلى يوما ثم رأى أثر دم في ثوبه عند النوم فقام من ساعته يقضي صلوات يومه ذاك ولم يؤخرها للصباح خشية الموت.
كل هذه الأحداث كانت في أيامه الأخيرة فلما كان قبل وفاته بيومين رأى النبي {صلى الله عليه وسلم } في المنام يبتسم له ويسلمه مفتاح بيته في الجنة فاستبشر بها الوالد خيرا فلما كان اليوم الذي بعده سمعته يأذن بالمسجد وما سمعته أذن قبل ذلك اليوم وكان آخر يوم من رمضان وفي صبيحة يوم العيد غرة شوال سنة1420هـ خرج بالناس للصلاة فأمهم ثم أمرني بالخطبة وأخذ يسار المحراب ولم تمضي دقائق إلا وسقط على الأرض وقد غادرت روحه على وضوئه وفي محراب صلاته وأمام يدي ربه فيالها من ميتته كميتة مرداس وذي الثفنات فإنهم نالوا الشهادة في صلاتهم وقد تمنى الوالد الشهادة وتمنى أن يموت كميتتهم فعسى أن يكون في زمرة الشهداء.
فأضت روحه إلى بارئها بعد رحلة دامت 90 عاما قضاها في خدمة الإسلام بالسيف والقلم فرزء الإسلام بفقده وجلت علينا مصيبته. وما كان لنا إلا الصبر والسلوان والتسليم بالقضاء والقدر.